الرِّسالَةُ إلَى كُولُوسِي
كانت أخطارٌ عظيمة تتهدد مؤمني كولوسي، ناتجة عن بعض الأفكار الفلسفية، من صوفية شرقية، وتقشف، وضلال الدعوة للعودة إلى اليهودية والمبادىء الغنوسية، وهذه الأخيرة تفسر الخلق وأصل البشر واللاهوت بمعزلٍ عن وحي الكلمة المقدسة، وتزعم أن كائناً أدنى من الله خلق الكون، وأن هنالك طبقة خاصة من أنصاف الآلهة، وأن المادة شر والنجاة منها تكون برفضها كليّاً. وتنكر ألوهية المسيح وقيمة فدائه. فجاءت هذه الرسالة تدحض التعاليم الفاسدة، وتكشف أعظم الإِعلانات: عظمة المسيح ومجده وأسبقيته المطلقة؛ وكونه الرأس للخليقة وللكنيسة؛ وكمال عمله الفدائي واكتمال المسيحي فيه إذ يقوم فيه ويعيش متحداً به، هو الذي يسكن فيه ملء اللاهوت؛ وتعلن أيضاً بطلان الفرائض والمبادىء المضلَّة وتقليد الناس والتدخل في أسرار الكون وعبادة الملائكة لكونها جميعاً لا تضيف شيئاً إلى معرفة المؤمن أو كماله إذ يتمسك ببساطة تعليم المسيح.
١
١ مِنْ بُولُسَ وَهُوَ رَسُولٌ لِلْمَسِيحِ يَسُوعَ بِمَشِيئَةِ اللهِ، وَمِنَ الأَخِ تِيمُوثَاوُسَ، ٢ إِلَى الإِخْوَةِ الْقِدِّيسِينَ وَالأُمَنَاءِ فِي الْمَسِيحِ، الْمُقِيمِينَ فِي مَدِينَةِ كُولُوسِّي. لِتَكُنْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا والرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ٣  إِنَّنَا دَائِماً نَرْفَعُ الشُّكْرَ لِلهِ، أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِيمَا نُصَلِّي لأَجْلِكُمْ. ٤ إِذْ بَلَغَنَا خَبَرُ إِيمَانِكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي لَكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، ٥ بِسَبَبِ الرَّجَاءِ الْمَحْفُوظِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ، الرَّجَاءِ الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ سَابِقاً فِي كَلِمَةِ الْحَقِّ الَّتِي فِي الإِنْجِيلِ ٦ وَالَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ كَمَا تَنْتَشِرُ الآنَ فِي الْعَالَمِ أَجْمَعَ، مُنْتِجَةً الثَّمَرَ وَنَامِيَةً، مِثْلَمَا يَحْدُثُ بَيْنَكُمْ أَنْتُمْ مُنْذُ أَنْ سَمِعْتُمْ بِنِعْمَةِ اللهِ وَاخْتَبَرْتُمُوهَا بِالْحَقِّ، ٧ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَلَّمْتُمْ مِنْ أَبَفْرَاسَ شَرِيكِنَا الْعَبْدِ الْحَبِيبِ، وَالْخَادِمِ الأَمِينِ لِلْمَسِيحِ عِنْدَكُمْ ٨ وَهُوَ نَفْسُهُ أَخْبَرَنَا بِمَا لَكُمْ مِنَ الْمَحَبَّةِ فِي الرُّوحِ. ٩  لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ سَمِعْنَا بِأَخْبَارِكُمْ، مَازِلْنَا نُصَلِّي وَنَتَضَرَّعُ لأَجْلِكُمْ، لأَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ تَمَامِ مَعْرِفَةِ مَشِيئَةِ اللهِ فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَإِدْرَاكٍ رُوحِيٍّ، ١٠ لِكَيْ تَسْلُكُوا سُلُوكاً لاَئِقاً بِالرَّبِّ وَمُرْضِياً فِي كُلِّ شَيْءٍ، مُنْتِجِينَ الثَّمَرَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ إِلَى التَّمَامِ، ١١ مُتَشَدِّدِينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ مُوَافِقَةٍ لِقُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِتَتَمَكَّنُوا تَمَاماً مِنَ الاحْتِمَالِ وَطُولِ الْبَالِ، ١٢ رَافِعِينَ الشُّكْرَ بِفَرَحٍ لِلآبِ الَّذِي جَعَلَكُمْ أَهْلاً لِلاشْتِرَاكِ فِي مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، ١٣ هُوَ الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَةِ الظَّلاَمِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ ١٤ الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، أَيْ غُفْرَانُ الْخَطَايَا. ١٥  هُوَ صُورَةُ اللهِ الَّذِي لاَ يُرَى، وَالْبِكْرُ عَلَى كُلِّ مَا قَدْ خُلِقَ، ١٦ إِذْ بِهِ خُلِقَتْ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، أَعُرُوشاً كَانَتْ أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِئَاسَاتٍ أَمْ سُلُطَاتٍ. كُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ قَدْ خُلِقَ بِهِ وَلأَجْلِهِ. ١٧ هُوَ كَائِنٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهِ يَدُومُ كُلُّ شَيْءٍ. ١٨ وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ، أَيِ الْكَنِيسَةِ؛ هُوَ الْبَدَاءَةُ وَبِكْرُ الْقَائِمِينَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، لِيَكُونَ لَهُ الْمَقَامُ الأَوَّلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. ١٩ فَفِيهِ سُرَّ اللهُ أَنْ يَحِلَّ بِكُلِّ مِلْئِهِ، ٢٠ وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ مَعَ نَفْسِهِ، إِذْ أَحَلَّ السَّلاَمَ بِدَمِهِ عَلَى الصَّلِيبِ، فَبِهِ يُصَالَحُ كُلُّ شَيْءٍ، سَوَاءٌ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ أَوْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ. ٢١  وَأَنْتُمْ، يَامَنْ كُنْتُمْ فِي الْمَاضِي أَجَانِبَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، بِأَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، ٢٢ قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جَسَدِ بَشَرِيَّةِ (ابْنِهِ) بِالْمَوْتِ. وَذَلِكَ لِكَيْ يُحْضِرَكُمْ فَتَمْثُلُوا أَمَامَهُ وَأَنْتُمْ قِدِّيسُونَ بِلاَ ذَنْبٍ وَلاَ لَوْمٍ. ٢٣ عَلَى أَنْ تَثْبُتُوا فِعْلاً فِي الإِيمَانِ، مُؤَسَّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُتَحَوِّلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، الَّذِي بُشِّرَ بِهِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا تَحْتَ السَّمَاءِ، وَلَهُ صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِماً. ٢٤  وَالآنَ أَنَا أَفْرَحُ فِي الآلاَمِ الَّتِي أُقَاسِيهَا لأَجْلِكُمْ، وَأُتَمِّمُ فِي جَسَدِي مَا نَقَصَ مِنْ ضِيقَاتِ الْمَسِيحِ لأَجْلِ جَسَدِهِ الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ، ٢٥ وَلَهَا قَدْ صِرْتُ أَنَا خَادِماً بِمُوجِبِ تَدْبِيرِ اللهِ الْمَوْهُوبِ لِي مِنْ أَجْلِكُمْ، وَهُوَ أَنْ أُتَمِّمَ كَلِمَةَ اللهِ، بِإِعْلاَنِ ٢٦ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُوماً طَوَالَ الْعُصُورِ وَالأَجْيَالِ، وَلكِنْ كُشِفَ الآنَ لِقِدِّيسِيهِ، ٢٧ الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُمْ كَمْ هُوَ غَنِيٌّ مَجْدُ هَذَا السِّرِّ بَيْنَ الأُمَمِ: أَنَّ الْمَسِيحَ فِيكُمْ، وَهُوَ رَجَاءُ الْمَجْدِ؛ ٢٨ هَذَا السِّرُّ نُعْلِنُهُ نَحْنُ، وَاعِظِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ. ٢٩ وَلأَجْلِ هَذَا أَتْعَبُ أَنَا أَيْضاً وَأُجَاهِدُ، بِفَضْلِ قُدْرَتِهِ الْعَامِلَةِ فِيَّ بِقُوَّةٍ.